فصل: (الشَّرْطُ (الثَّالِثُ)) لِلْإِجَارَةِ (كَوْنُ نَفْعٍ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى



.[الشَّرْطُ (الثَّالِثُ)] لِلْإِجَارَةِ (كَوْنُ نَفْعٍ مُبَاحًا بِلَا ضَرُورَةٍ):

أَيْ: بِأَنْ تُبَاحَ مُطْلَقًا بِخِلَافِ مَا يُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ أَوْ لِلْحَاجَةِ كَأَوَانِي الذَّهَبِ وَالْكَلْبِ وَجُلُودِ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ؛ لِعَدَمِ غَيْرِهِ (مَقْصُودًا) عُرْفًا بِخِلَافِ آنِيَةٍ لِتُجَمَّلَ، وَأَنْ يَكُونَ مُتَقَوِّمًا؛ بِخِلَافِ نَحْوِ تُفَّاحٍ لِشَمٍّ، (يُسْتَوْفَى) مِنْ عَيْنٍ مُؤَجَّرَةٍ (دُونَ) اسْتِهْلَاكِ (الْأَجْزَاءِ) بِخِلَافِ شَمْعٍ لِشَعْلٍ، وَصَابُونٍ لِغَسْلٍ، (مَقْدُورًا عَلَيْهِ)، بِخِلَافِ دِيكٍ لِيُوقِظَهُ لِصَلَاةٍ؛ فَلَا يَصِحَّ نَصًّا؛ لِأَنَّهُ يَقِفُ عَلَى فِعْلِ الدِّيكِ وَلَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُ بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ (لِمُسْتَأْجِرٍ)؛ فَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ دَابَّةٍ لِرُكُوبٍ مُؤَجَّرٍ. وَيَأْتِي: (كَكِتَابِ) حَدِيثٍ أَوْ فِقْهٍ أَوْ شِعْرٍ مُبَاحٍ أَوْ لُغَةٍ أَوْ صَرْفٍ أَوْ نَحْوِهِ (لِنَظَرٍ وَقِرَاءَةٍ وَنَقْلٍ وَتَجْوِيدِ خَطٍّ)؛ بِأَنْ كَانَ بِهِ خَطٌّ حَسَنٌ يُكْتَبُ عَلَيْهِ، وَيَتَمَثَّلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ تَجُوزُ إعَارَتُهُ لِذَلِكَ؛ فَجَازَتْ إجَارَتُهُ، وَلَا تَجُوزُ إجَارَةُ مُصْحَفٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.
(وَ) تَجُوزُ إجَارَةُ (دَارٍ تُجْعَلُ مَسْجِدًا) يُصَلَّى فِيهِ، (أَوْ تُسْكَنُ)؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ مَقْصُودٌ يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ مِنْ الْعَيْنِ مَعَ بَقَائِهَا، (وَ) كَاسْتِئْجَارِ (حَائِطٍ لِحَمْلِ خَشَبٍ مَعْلُومٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً)؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَفْعًا مُبَاحًا، (وَبِئْرٍ لِسَقْيٍ لِلِانْتِفَاعِ بِمُرُورِ الدَّلْوِ فِي هَوَائِهِ وَعُمْقٍ) وَأَمَّا الْمَاءُ فَيُؤْخَذُ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ. (وَسُئِلَ) الْإِمَامُ أَحْمَدُ (عَنْ إجَارَةِ بَيْتِ الرَّحَى الْمُدَارَةِ بِالْمَاءِ) لَا غَيْرِهِ، (فَقَالَ الْإِجَارَةُ) تَقَعُ (عَلَى الْبَيْتِ وَالْأَحْجَارِ وَالْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ) جَمِيعًا، وَأَمَّا الْمَاءُ، فَإِنَّهُ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ وَيَنْضُبُ؛ أَيْ: يَغُورُ وَيَذْهَبُ؛ فَلَا تَقَعُ عَلَيْهِ إجَارَةٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْضَبِطُ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (حَيَوَانٍ) لِصَيْدٍ (وَطَيْرٍ) وَفَهْدٍ وَهِرٍّ وَصَقْرٍ وَبَازٍ (لِصَيْدٍ، وَ) قِرْدٍ لِـ (حِرَاسَةٍ)؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ نَفْعًا مُبَاحًا، (سِوَى) سِبَاعِ الْبَهَائِمِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلصَّيْدِ؛ لِأَنَّهُ لَا نَفْعَ فِيهَا، وَسِوَى (كَلْبٍ)- وَلَوْ لِصَيْدٍ- (و) سِوَى (خِنْزِيرٍ)؛ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُمَا مُطْلَقًا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُمَا.
(وَ) تَصِحُّ إجَارَةُ (فَخٍّ وَشَبَكَةٍ) مُدَّةً مَعْلُومَةً (لِصَيْدٍ، و) إجَارَةِ (بَرْكَةٍ لِصَيْدِ سَمَكٍ مُدَّةً مَعْلُومَةً) يُدْخِلُهُ الْمُسْتَأْجِرُ إلَيْهَا، أَوْ يَدْخُلُ بِنَفْسِهِ، ثُمَّ يَصِيدُهُ مِنْهَا، وَكَاسْتِئْجَارِ (شَجَرٍ لِنَشْرِ ثِيَابٍ) عَلَيْهِ (أَوْ جُلُوسٍ بِظِلِّهِ)؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ، كَالْحِبَالِ وَالْخَشَبِ، وَكَمَا لَوْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً، (وَ) كَاسْتِئْجَارِ (بَقَرٍ لِحَمْلٍ وَرُكُوبٍ)؛ لِأَنَّهَا مَنْفَعَةٌ مَقْصُودَةٌ لَمْ يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَحْرِيمِهَا؛ أَشْبَهَ رُكُوبَ الْبَعِيرِ، وَكَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْأَكْرَادِ وَغَيْرِهِمْ يَحْمِلُونَ عَلَى الْبَقَرِ، وَيَرْكَبُونَهَا، وَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ يَحْرُثُونَ عَلَى الْإِبِلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَمَعْنَى خَلْقِهَا لِلْحَرْثِ: إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ مُعْظَمَ الِانْتِفَاعِ بِهَا فِيهِ، وَلَا يُمْنَعُ الِانْتِفَاعُ بِهَا فِي شَيْءٍ آخَرَ؛ لِأَنَّ الْخَيْلَ خُلِقَتْ لِلرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ، وَيُبَاحُ أَكْلُهَا وَاللُّؤْلُؤُ خُلِقَ لِلْحِلْيَةِ، وَيُبَاحُ التَّدَاوِي بِهِ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (غَنَمٍ وَغَيْرِهَا لِدِيَاسِ زَرْعٍ) مَعْلُومٍ، أَوْ أَيَّامًا مَعْلُومَةً، فَإِنْ قَدَّرَهُ بِالْمُدَّةِ؛ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَدُوسُ بِهِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ بِقُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى عَمَلٍ غَيْرِ مُقَدَّرٍ بِمُدَّةٍ احْتَاجَ إلَى مَعْرِفَةِ جِنْسِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ يَخْتَلِفُ. مِنْهُ مَا رَوْثُهُ طَاهِرٌ، وَمِنْهُ مَا هُوَ نَجِسٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ عَيْنِهِ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (بَيْتٍ) مُعَيَّنٍ (فِي دَارٍ) مُدَّةً مَعْلُومَةً بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ، (وَ) لَا يَقْدَحُ فِي صِحَّةِ الْإِجَارَةِ (لَوْ أَهْمَلَ)؛ أَيْ: لَمْ يَذْكُرْ (اسْتِطْرَاقَهُ)؛ إذْ لَا يُتَمَكَّنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ إلَّا بِالِاسْتِطْرَاقِ، فَاسْتُغْنِيَ عَنْ ذَكَرِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (آدَمِيٍّ لِقَوْدِ) مَرْكُوبٍ أَعْمَى؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ مَقْصُودَةٌ وَالْمُرَادُ مُدَّةٌ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِاسْتِيفَاءِ (قَوَدٍ)- بِفَتْحِ الْوَاوِ- لِأَنَّهُ قَدْ لَا يُحْسِنُهُ، وَلِيَدُلَّ عَلَى طَرِيقٍ؛ «لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ اسْتَأْجَرَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ هَادِيًا خِرِّيتًا- وَهُوَ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- لِيَدُلَّهُمَا عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ»، وَأَنْ يُلَازِمَ غَرِيمًا يَسْتَحِقُّ مُلَازَمَتَهُ نَصًّا.
(وَ) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (نَحْوِ عَنْبَرٍ)؛ كَمِسْكٍ وَصَنْدَلٍ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَبْقَى (لِشَمٍّ) مُدَّةً مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ، كَالثَّوْبِ لِلُّبْسِ. و(لَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (مَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ) مِنْ الطِّيبِ (كَرَيَاحِينَ)؛ لِأَنَّهَا تَتْلَفُ عَنْ قَرِيبٍ، فَأَشْبَهَتْ الْمَطْعُومَاتِ. وَكَذَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (نَقْدٍ)- أَيْ: دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ- (لِتَحِلَّ وَوَزْنٍ) مُدَّةً مَعْلُومَةً؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ يُسْتَوْفَى مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ وَكَالْحُلِيِّ، (وَ) كَذَا (مَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ كَأَنْفٍ) مِنْ ذَهَبٍ، (وَرَبْطِ سِنٍّ) مُدَّةً مَعْلُومَةً، فَتَصِحُّ إجَارَةٌ لِذَلِكَ؛ لِمَا مَرَّ، (وَكَذَا مَكِيلٌ وَمَوْزُونٌ وَفُلُوسٌ لِيُعَايَرَ عَلَيْهِ)، فَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مَا ذُكِرَ؛ كَنَقْدٍ لِلْوَزْنِ. (فَلَا تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (فِي نَقْدٍ وَمَا بَعْدَهُ إنْ أُطْلِقَتْ)؛ بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْ وَزْنًا، وَلَا تَحَلِّيًا وَنَحْوَهُ، (وَيَكُونُ قَرْضًا فِي ذِمَّةِ قَابِضٍ)؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَقْتَضِي الِانْتِفَاعَ، وَالِانْتِفَاعُ الْمُعْتَادُ بِالنَّقْدِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ إنَّمَا هُوَ بِأَعْيَانِهَا، فَإِذَا أَطْلَقَ الِانْتِفَاعَ حُمِلَ عَلَى الْمُعْتَادِ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةٌ (عَلَى زِنًا أَوْ زَمْرٍ أَوْ نَوْحٍ)؛ لِعَدَمِ إبَاحَتِهِ، (أَوْ تَعْلِيمِ سِحْرٍ وَغِنَاءٍ) وَلَا إجَارَةَ كَاتِبٍ يَكْتُبُ ذَلِكَ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ عَلَى تَعْلِيمِ سِحْرٍ وَغِنَاءٍ إنْ كَانَا (مُحَرَّمَيْنِ)، أَمَّا إذَا كَانَا مُبَاحَيْنِ فَلَا مَانِعَ مِنْ الِاسْتِئْجَارِ عَلَيْهِمَا؛ كَالْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ الْعَارِي عَنْ التَّغَزُّلِ فِي مُعَيَّنٍ، وَكَتَعْلِيمِ رُقًى عَرَبِيَّةٍ؛ لِيَحِلَّ بِهَا السِّحْرَ.
قَالَ فِي الْمُغْنِي: تَوَقَّفَ أَحْمَدُ فِي الْحِلِّ بِشَيْءٍ مِنْ السِّحْرِ، وَهُوَ إلَى الْجَوَازِ أَقْرَبُ، وَيَأْتِي فِي بَابِ حُكْمِ الْمُرْتَدِّ مُسْتَوْفًى إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (لِقَلْعِ سِنٍّ سَلِيمَةٍ)، أَوْ قَطْعِ عُضْوٍ سَلِيمٍ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِ، (أَوْ انْتِسَاخِ كُتُبِ بِدَعٍ)؛ لِمَا فِيهَا مِنْ خَلَلِ الْعَقِيدَةِ، (وَنَحْوِ شِعْرٍ مُحَرَّمٍ)؛ كَالتَّغَزُّلِ بِمُحَرَّمٍ وَالْهِجَاءِ إذَا أُرِيدَ بِهِ بِمُجَرَّدِ إيذَاءِ الْمَقُولِ فِيهِ وَتَنْقِيصِهِ، وَأَمَّا لَوْ أُرِيدَ مُجَرَّدُ رِوَايَةِ الْمَرْوِيِّ، أَوْ حِكَايَةِ مَا وَقَعَ تَنْقِيصًا لِلْقَائِلِ، وَتَحْذِيرًا مِنْهَا؛ فَغَيْرُ مَحْذُورٍ، فَإِنَّ أَهْلَ السِّيَرِ يَنْقُلُونَ الْأَشْعَارَ الَّتِي فِيهَا هِجَاءُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ وَقَعَ هَذَا فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَنْهَ عَنْهُ. و(لَا) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (لِرَعْيِ خِنْزِيرٍ)؛ لِأَنَّهُ مُحَرَّمُ الِاقْتِنَاءِ. (وَيَتَّجِهُ وَكَذَا) فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ (تَمْوِيهُ نَحْوِ حَائِطٍ) كَإِنَاءٍ (بِنَقْدٍ) ذَهَبًا كَانَ أَوْ فِضَّةً، (وَعَمَلُ)- أَيْ: صُنْعُ- (أَوَانِي مُحَرَّمَةٍ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، (وَ) عَمَلُ (ثِيَابِ حَرِيرٍ لِذَكَرٍ)، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهَا لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّهُ) مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِعَمَلِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ (لَا أُجْرَةَ لَهُ)، لِصَرْفِهِ عَمَلَهُ فِيمَا هُوَ مُحَرَّمٌ [وَهُوَ مُتَّجِهٌ]. (لَكِنْ قَالَ الشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ: (فَلَا يُقْضَى عَلَى مُسْتَأْجَرٍ بِدَفْعِهَا)- أَيْ: الْأُجْرَةِ- (فَإِنْ دُفِعَتْ لَمْ يُقْضَ- عَلَى أَجِيرٍ بِرَدِّهَا؛ كَتَفْصِيلِ عُقُودِ كُفَّارٍ مُحَرَّمَةٍ، وَأَسْلَمُوا قَبْلَ قَبْضٍ أَوْ بَعْدَهُ، وَتَقَدَّمَ) تَفْصِيلُ عُقُودِ الْكُفَّارِ (فِي بَابِ عَقْدِ الذِّمَّةِ أَنَّهُ يَتَصَدَّق بِهِ وَنَحْوِهِ)، وَقَالَ: إنَّ الْأَجِيرَ إنْ طَلَبَ الْأُجْرَةَ قُلْنَا لَهُ: أَنْتَ فَرَّطْت حَيْثُ صَرَفْت قُوَّتَك فِي عَمَلٍ مُحَرَّمٍ، فَلَا يُقْضَى لَك بِأُجْرَةٍ، فَإِذَا قَبَضَهَا، وَقَالَ الدَّافِعُ: اقْضُوا إلَيَّ بِرَدِّهَا قُلْنَا لَهُ دَفَعْتهَا بِمُعَاوَضَةٍ رَضِيت بِهَا، وَقَدْ فَوَّتَتْ عَلَى الْأَجِيرِ عَمَلَهُ وَزَمَنَهُ، وَهُوَ وَجِيهٌ. (وَلَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ لِكَنْسِ مَسْجِدٍ) فِي حَالَةٍ لَا تَأْمَنَانِ فِيهَا تَلْوِيثَهُ.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَكَذَا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ (كَافِرٍ لِعَمَلٍ) كَعِمَارَةٍ وَتَبْلِيطٍ وَنَحْوِهِ (فِي الْحَرَمِ) الْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ الشَّرْعِيَّ كَالْحِسِّيِّ، وَلَا الْإِجَارَةِ عَلَى تَعْلِيمِ الْفُحْشِ وَالْخِنَاءِ- بِكَسْرِ الْخَاءِ وَالْمَدِّ- وَعَلَى تَعْلِيمِ التَّوْرَاةِ، وَالْكُتُبِ الْمَنْسُوخَةِ، أَوْ الْعُلُومِ الْمُحَرَّمَةِ، كَالْفَلْسَفَةِ وَالتَّنْجِيمِ وَنَحْوِهِمَا، (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ الْإِجَارَةُ عَلَى (تَعْلِيمِهِ)- أَيْ: الْكَافِرِ- (قُرْآنًا) وَنَحْوَهُ؛ كَحَدِيثٍ وَتَفْسِيرٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوٍ مُشْتَمِلٍ عَلَى آيَاتٍ أَوْ أَحَادِيثَ. (وَلَا) يَجُوزُ اسْتِئْجَارٌ (لِنَزْوِ فَحْلٍ) لِلضِّرَابِ؛ «لِنَهْيِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَالْعَسْبُ إعْطَاءُ الْكِرَاءِ عَلَى الضِّرَابِ عَلَى أَحَدِ التَّفَاسِيرِ، وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ إنَّمَا الَّذِي يُخْلَقُ مِنْهُ الْوَلَدُ، وَهُوَ عَيْنٌ، فَيُشْبِهُ إجَارَةَ الْحَيَوَانِ لِأَخْذِ لَبَنِهِ، بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّ هَذَا الْمَاءَ لَا قِيمَةَ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُ الْعِوَضِ عَنْهُ كَالْمَيْتَةِ.
(وَ) إنْ احْتَاجَ إنْسَانٌ إلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُطْرِقُ لَهُ دَابَّتَهُ مَجَّانًا؛ (جَازَ) لِرَبِّ الدَّابَّةِ أَنْ يَبْذُلَ الْكِرَاءَ؛ لِأَنَّهُ بَذْلٌ لِتَحْصِيلِ مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ (لِحَاجَةٍ)؛ فَجَازَ (بَذْلُ عِوَضٍ)؛ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ، (وَحَرُمَ) عَلَى رَبِّ الْفَحْلِ (أَخْذُهُ) الْعِوَضَ لِلنَّهْيِ السَّابِقِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَلَوْ أَنْزَاهُ عَلَى فَرَسِهِ، فَنَقَصَ؛ ضَمِنَ نَقْصَهُ. (كَشِرَاءِ أَسِيرٍ)؛ فَيَجُوزُ شِرَاءُ الْأَسِيرِ لِتَخْلِيصِهِ مِنْ أَيْدِي الْكُفَّارِ، (وَ) كَدَفْعِ (رِشْوَةٍ لِظَالِمٍ) لِيَدْفَعَ بِهَا ظُلْمَهُ. (فَإِنْ) أَطْرَقَ إنْسَانٌ فَحْلَهُ لِدَابَّةِ آخَرَ بِغَيْرِ إجَارَةٍ، (فَأَهْدَى لَهُ) رَبُّ الدَّابَّةِ هَدِيَّةً، أَوْ أَكْرَمَهُ تَكْرِمَةً- (وَلَا شَرْطَ- جَازَ)؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَعْرُوفًا؛ فَجَازَتْ مُجَازَاتُهُ عَلَيْهِ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (دَارٍ لِتُجْعَلَ كَنِيسَةً) أَوْ بَيْعَةً أَوْ صَوْمَعَةً، (أَوْ بَيْتَ نَارٍ) لِتَعَبُّدِ الْمَجُوسِ، (أَوْ لِبَيْعِ خَمْرٍ وَقِمَارٍ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ إعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. (وَيَتَّجِهُ أَوْ) اُسْتُؤْجِرَتْ الدَّارُ (لِنَحْوِ زَمْرٍ وَغِنَاءٍ)، وَكُلِّ مَا حَرَّمَهُ الشَّارِعِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. وَسَوَاءٌ (شُرِطَ ذَلِكَ) الْمُحَرَّمُ؛ بِأَنْ شَرَطَ الْمُسْتَأْجِرُ جَعْلَهَا لَهُ (بِعَقْدٍ، أَوْ) لَا؛ بِأَنْ (عُلِمَ بِقَرَائِنَ)؛ لِأَنَّهُ فِعْلٌ مُحَرَّمٌ، فَلَمْ تَجُزْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ؛ كَإِجَارَةِ عَبْدِهِ لِلْفُجُورِ بِهِ. (وَلِمُكْرٍ) دَارًا (مَنْعُ مُكْتَرٍ ذِمِّيٍّ مِنْ بَيْعِ خَمْرٍ ب) دَارٍ (مُؤَجَّرَةٍ)؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ. (وَلَا) يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ (لِحَمْلِ نَحْوِ مَيْتَةٍ) كَدَمٍ (لِأَكْلِهَا لِغَيْرِ مُضْطَرٍّ)؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ الْحَمْلُ لِمُضْطَرٍّ؛ صَحَّتْ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى حَمْلِ (خَمْرٍ لِشُرْبِهَا)؛ «لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَعَنَ حَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ». (وَلَا أُجْرَةَ لَهُ)- أَيْ لِمَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِشَيْءٍ مُحَرَّمٍ مِمَّا تَقَدَّمَ-. (وَتَصِحُّ) إجَارَةٌ لِحَمْلِ مَيْتَةٍ أَوْ خَمْرٍ (لِإِلْقَاءٍ وَإِرَاقَةٍ) لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَلَا تَنْدَفِعُ بِدُونِ إبَاحَةِ الْإِجَارَةِ؛ كَكَسْحِ الْكُنُفِ، وَحَمْلِ النَّجَاسَاتِ لِتُلْقَى خَارِجَ الْبَلَدِ؛ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَكْلُ أُجْرَةِ الْكَسْحِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ. وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِإِلْقَاءِ مَيْتَةٍ، (وَلَوْ بِمَا عَلَى جِلْدِ الْمَيْتَةِ مِنْ نَحْوِ شَعْرٍ)؛ كَصُوفٍ وَوَبَرٍ (طَاهِرٍ)؛ لِجَوَازِ جَزِّهِ وَاسْتِعْمَالِهِ، وَمَنْ أَعْطَى صَيَّادًا أُجْرَةً لِيَصِيدَ لَهُ سَمَكًا لِيَخْتَبِرَ بَخْتَهُ؛ فَقَدْ اسْتَأْجَرَهُ لِيَعْمَلَ بِشَبَكَتِهِ، قَالَهُ أَبُو الْبَقَاءِ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةٌ (عَلَى طَيْرٍ لِسَمَاعِهِ)، وَيُكْرَهُ لِلْحُرِّ أَكْلُ أُجْرَةِ حَجَّامٍ؛ لِقَوْلَةِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «كَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ: أَطْعِمْهُ نَاضِحَك وَرَقِيقَك.
قَالَ الْبُهُوتِيُّ: قُلْت: وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا سَبَقَ مِنْ أُجْرَةِ الْإِلْقَاءِ وَالْإِرَاقَةِ مُبَاشَرَةُ النَّجَاسَةِ؛ إذْ إلْقَاءُ الْمَيْتَةِ وَإِرَاقَةِ الْخَمْرِ لَا مُبَاشَرَةَ فِيهِ لِلنَّجَاسَةِ غَالِبًا، بِخِلَافِ كَسْحِ الْكَنِيفِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.، وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارٌ لِطَحْنِ قَمْحٍ بِنُخَالَتِهِ، وَعَمَلُ سِمْسِمٍ شَيْرَجًا بِكُسْبِهِ الْخَارِجِ مِنْهُ، وَحَلْجُ قُطْنٍ بِحَبِّهِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْهُ؛ لِلْجَهَالَةِ بِالْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةٌ (نَحْوِ تُفَّاحٍ) كَنِرْجِسٍ (لِشَمٍّ)؛ لِأَنَّ نَفْعَهَا غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ؛ لِأَنَّ مَنْ غَصَبَ تُفَّاحًا، وَشْمَهُ، وَرَدَّهُ؛ لَمْ يَلْزَمْهُ أُجْرَةُ شَمِّهِ، (أَوْ) إجَارَةُ (شَمْعٍ لِتَجَمُّلٍ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (أَوْ) إجَارَةُ شَمْعٍ (لِشَعْلٍ) أَوْ طَعَامٍ، أَوْ لِيَتَجَمَّلَ بِهِ عَلَى مَائِدَتِهِ، ثُمَّ يَرُدُّهُ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ ذَلِكَ غَيْرُ مَقْصُودَةٍ، وَمَا لَا يُقْصَدُ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضٍ، (أَوْ ثَوْبٍ لِتَغْطِيَةِ نَعْشٍ) فِيهِ الْمَيِّتُ، ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، (أَوْ طَعَامٍ لِأَكْلٍ)، أَوْ شَرَابٍ لِشُرْبٍ، أَوْ صَابُونٍ لِغَسْلٍ، وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا إلَّا بِإِتْلَافِ عَيْنِهَا، فَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَمْعًا لِيُشْعِلَ مِنْهُ مَا شَاءَ، وَيَرُدَّ بَقِيَّتَهُ، وَثَمَنَ الذَّاهِبِ وَأُجْرَةَ الْبَاقِي؛ لَمْ يَصِحَّ لِشُمُولِهِ بَيْعًا وَإِجَارَةً- وَالْمَبِيعُ مَجْهُولٌ- فَيَلْزَمُ الْجَهْلُ بِالْمُسْتَأْجَرِ، فَيَفْسُدُ الْعَقْدَانِ. (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ (حَيَوَانٍ) كَبَقَرٍ وَغَنَمٍ (لِأَخْذِ لَبَنِهِ) أَوْ صُوفِهِ أَوْ شَعْرِهِ هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْإِجَارَةِ النَّفْعُ، وَالْمَقْصُودُ هُنَا الْعَيْنُ. وَهِيَ لَا تُمْلَكُ وَلَا تُسْتَحَقُّ بِإِجَارَةٍ (خِلَافًا لِلشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ، فَإِنَّهُ اخْتَارَ جَوَازَ إجَارَةِ مَاءِ قَنَاةٍ مُدَّةً، وَمَاءِ فَائِضِ بِرْكَةٍ رَأَيَاهُ، وَإِجَارَةِ حَيَوَانٍ؛ لِأَجْلِ لَبَنِهِ قَامَ بِهِ هُوَ أَوْ رَبُّهُ، فَإِنْ قَامَ عَلَيْهَا لِمُسْتَأْجِرٍ، وَعَلَفَهَا؛ فَكَاسْتِئْجَارِ الشَّجَرِ وَإِنْ عَلَفَهَا رَبُّهَا، وَيَأْخُذُ الْمُشْتَرِي لَبَنًا مُقَدَّرًا؛ فَبَيْعٌ مَحْضٌ، وَإِنْ كَانَ يَأْخُذُ اللَّبَنَ مُطْلَقًا؛ فَبَيْعٌ أَيْضًا، وَلَيْسَ هَذَا بِغَرَرٍ، وَلِأَنَّ هَذَا يَحْدُثُ شَيْئًا فَشَيْئًا؛ فَهُوَ بِالْمَنَافِعِ أَشْبَهُ، فَإِلْحَاقُهُ بِهَا أَوْلَى، وَلِأَنَّ الْمُسْتَوْفَى بِعَقْدِ الْإِجَارَةِ عَلَى زَرْعِ الْأَرْضِ هُوَ عَيْنٌ مِنْ أَعْيَانٍ، وَهُوَ مَا يُحْدِثُهُ مِنْ الْحَبِّ بِسَقْيِهِ وَعَمَلِهِ، وَكَذَا مُسْتَأْجَرُ الشَّاةِ لِلَبَنِهَا، مَقْصُودُهُ مَا يُحْدِثُهُ اللَّهُ مِنْ لَبَنِهَا بِعَلْفِهَا وَالْقِيَامِ عَلَيْهَا؛ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، وَالْآفَاتُ، وَالْمَوَانِعُ الَّتِي تَعْرِضُ لِلزَّرْعِ أَكْثَرُ مِنْ آفَاتِ اللَّبَنِ، وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعُقُودِ الْجَوَازُ، وَالصِّحَّةُ قَالَ: وَكَظِئْرٍ انْتَهَى.
وَالْمُعْتَمَدُ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ. (غَيْرِ ظِئْرٍ)- أَيْ آدَمِيَّةِ مُرْضِعَةٍ- لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَالْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْبَهَائِمِ أَنَّهُ يَحْصُلُ مِنْهَا عَمَلٌ مِنْ وَضْعِ الثَّدْيِ فِي فَمِ الْمُرْتَضِعِ وَنَحْوِهِ. (وَيَدْخُلُ نَفْعُ بِئْرٍ) فِي إجَارَةِ بِئْرٍ تَبَعًا (وَ) يَدْخُلُ (حِبْرُ نَاسِخٍ) تَبَعًا.
(وَ) يَدْخُلُ (خُيُوطُ خَيَّاطٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِخِيَاطَةٍ تَبَعًا (وَ) يَدْخُلُ (كُحْلُ كَحَّالٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِكَحْلٍ تَبَعًا (وَ) يَدْخُلُ (مَرْهَمُ طَبِيبٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِمُدَاوَاةٍ تَبَعًا؛ بِخِلَافِ الدَّوَاءِ؛ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، (وَ) يَدْخُلُ (صَبْغُ صَبَّاغٍ) اُسْتُؤْجِرَ لِصَبْغِ نَحْوِ ثِيَابٍ (وَنَحْوُهُ)؛ كَدِبَاغِ دَبَّاغٍ (تَبَعًا) لِعَمَلِ الصَّانِعِ، لَا أَصَالَةً. هَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ (لُزُومًا)؛ أَيْ: يَلْزَمُ الْعَامِلَ ذَلِكَ، مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى خِلَافِهِ. (فَلَا فَسْخَ) لِمُسْتَأْجِرٍ (بِغَوْرِ مَاءٍ دَارٍ مُؤَجَّرَةٍ)؛ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي الْإِجَارَةِ، نَقَلَهُ فِي الِانْتِصَارِ عَنْ الْأَصْحَابِ، وَفِي الْإِقْنَاعِ لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ فِي بِئْرِ الدَّارِ، وَتَغَيَّرَ بِحَيْثُ يُمْنَعُ الشُّرْبُ وَالْوَصْفُ؛ ثَبَتَ لِمُسْتَأْجِرٍ الْفَسْخُ، وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ خِلَافًا لَهُ (وَيَتَّجِهُ الْبُطْلَانُ)- أَيْ بُطْلَانُ الْإِجَارَةِ- (وَلَوْ وَقَعَ الْعَقْدُ)- أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ- (عَلَى التَّابِعِ)، وَهُوَ نَفْعُ الْبِئْرِ وَالْحِبْرِ وَالْخُيُوطِ وَالْكُحْلِ وَالْمَرْهَمِ وَالصَّبْغِ (وَالْمَتْبُوعِ)، وَهُوَ الْمَأْجُورُ؛ بِأَنْ قَالَ: اسْتَأْجَرْت هَذَا الْبِئْرَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْمَاءِ، وَهَذَا النَّاسِخُ وَمَا عِنْدَهُ مِنْ الْحِبْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ، وَلَيْسَ هَذَا كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ التَّابِعَ لَا يُمْكِنُ تَقْوِيمُهُ؛ لِعَدَمِ ضَبْطِهِ.
(وَ) يَتَّجِهُ (أَنَّ اشْتِرَاطَ تَابِعٍ عَلَى مَتْبُوعٍ جَائِزٌ)؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ (وَمُؤَكَّدٌ) لِمَا شُرِطَ، وَمَتَى لَمْ يَفِ بِمَا وَقَعَ عَلَيْهِ الشَّرْطُ؛ ثَبَتَ خِيَارُ الْفَسْخِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ (إجَارَةُ) عَبْدٍ (آبِقٍ وَ)، لَا جَمَلٍ (شَارِدٍ)، وَقِيَاسُ الْبَيْعِ وَلَوْ مِنْ قَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِهَا، (وَ) لَا إجَارَةُ (مَغْصُوبٍ لِغَيْرِ قَادِرٍ عَلَيْهِ)- أَيْ عَلَى أَخَذَهُ مِنْ غَاصِبِهِ- لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ كَبَيْعِهِ، وَكَذَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، وَلَا إجَارَةُ (طَيْرٍ لِحَمْلِ كُتُبٍ)؛ لِتَعْذِيبِهِ.
قَالَ فِي الْمُوجَزِ (أَوْ)؛ أَيْ: وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ دِيكٍ (لِيُوقِظَهُ لِلصَّلَاةِ) نَصًّا؛ لِأَنَّهُ لَا يَقِفُ عَلَى فِعْلِ الدِّيكِ، وَلَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ مِنْهُ بِضَرْبٍ وَلَا غَيْرِهِ وَتَقَدَّمَ. و(لَا) تَصِحُّ إجَارَةٌ (مُشَاعٍ) مِنْ عَيْنٍ تُمْكِنُ قِسْمَتُهَا أَوْ لَا (مُفْرَدٍ) عَنْ بَاقِي الْعَيْنِ (لِغَيْرِ شَرِيكٍ) بِالْبَاقِي.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ، وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ؛ (لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا بِتَسْلِيمِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ)، وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ؛ فَلَا يَصِحُّ كَالْمَغْصُوبِ. و(لَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (عَيْنٍ وَاحِدَةٍ) مَمْلُوكَةٍ لِوَاحِدٍ (لِعَدَدِ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ بِأَنْ أَجَّرَ دَارِهِ أَوْ دَابَّتَهُ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ إجَارَةَ الْمُشَاعِ، (خِلَافًا ل) اخْتِيَارِ (جَمْعٍ فِيهِمَا)- أَيْ: إجَارَةِ الْمُشَاعِ لِغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَفِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَدٍ- مِنْهُمْ أَبُو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَالْحَلْوَانِيُّ وَصَاحِبُ الْفَائِقِ وَابْنُ عَبْدِ الْهَادِي فِي حَوَاشِيهِ، وَقَدَّمَهُ فِي التَّبْصِرَةِ قَالَ الْمُنَقَّحُ وَهُوَ- أَيْ الْقَوْلُ بِالصِّحَّةِ- رِوَايَةٌ، وَهُوَ أَظْهَرُ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ- أَيْ عَمَلُ الْحُكَّامِ إلَى زَمَنِنَا- وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الصَّوَابُ، وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ اسْتِئْجَارَ الشَّرِيكِ مِمَّنْ يُشْرِكُهُ مَا عَدَا مَالَهُ فِيهِ، وَالْوَاحِدُ مِنْ جَمِيعِ الشُّرَكَاءِ جَمِيعُهُ صَحِيحٌ بِلَا خِلَافٍ فِي الْمَذْهَبِ، وَقَالَ فِي الْمَجْدِ: فَإِنْ أَجَّرَ اثْنَانِ دَارَهُمَا مِنْ رَجُلٍ فِي صَفْقَةٍ عَلَى أَنَّ نَصِيبَ أَحَدِهِمَا بِعَشْرَةٍ، وَالْآخَرَ بِعِشْرِينَ؛ جَازَ عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ؛ لِأَنَّهُمَا أَجَازَا الْمُسَاقَاةَ مِنْ الْمُثَنَّى مَعَ الْوَاحِدِ مَعَ التَّفَاضُلِ فِي الْجَزَاءِ الْمَشْرُوطِ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ قَالَ: وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالْكِتَابَةِ انْتَهَى.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ إجَارَةَ الْمُشَاعِ وَالْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ لِعَدَدٍ؛ لَا تَصِحُّ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَالْمُخْتَارَةِ لِلْجَمْعِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ؛ تَصِحُّ، وَصَوَّبَ ذَلِكَ فِي الْإِنْصَافِ وَاسْتَظْهَرَهُ فِي التَّنْقِيحِ خُصُوصًا وَقَدْ عَضَدَهُ عَمَلُ حُكَّامِ الْحَنَابِلَةِ فِي الْأَزْمِنَةِ الْمُتَطَاوِلَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ قَوِيٍّ تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ فِي صُورَةِ (مَا لَوْ أَجَّرَ عَيْنًا) مَعْلُومَةً بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْوَصْفِ (لِعَدَدِ) اثْنَيْنِ، فَأَكْثَرَ (يُمْكِنُ انْتِفَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْعَدَدِ الْمُسْتَأْجِرِينَ (بِهَا)- أَيْ الْعَيْنِ- (فِي آنٍ)- أَيْ زَمَنٍ- (وَاحِدٍ؛ كَسَفِينَةٍ وَإِنَاءٍ يَرْكَبُونَهَا)- أَيْ السَّفِينَةَ- (وَيَأْكُلُونَ فِيهِ)- أَيْ الْإِنَاءِ- (جَمِيعًا) حَيْثُ رَضُوا بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَنْفَعَةَ بِالِاسْتِئْجَارِ، (بِخِلَافِ نَحْوِ سَيْفٍ) وَرُمْحٍ وَنُشَّابٍ (وَكِتَابٍ)؛ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ انْتِفَاعِ الْعَدَدِ بِذَلِكَ فِي آنٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ اتِّجَاهٌ حَسَنٌ. (وَلَوْ أَجَّرَا)- أَيْ اثْنَانِ- (دَارَهُمَا) الْمُشْتَرَكَةَ (لِرَجُلٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ أَقَالَهُ أَحَدُهُمَا)- أَيْ أَحَدُ الْمُؤَجِّرَيْنِ- (صَحَّ) فِي نَصِيبِهِ، (وَبَقِيَ الْعَقْدُ)- أَيْ عَقْدُ الْإِجَارَةِ- (فِي نَصِيبِ) الشَّرِيكِ (الْآخَرِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي) أَبُو يَعْلَى. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ بِلَا إذْنِهِ)؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَفْوِيتًا لِحَقِّ الزَّوْجِ فِي الِاسْتِمْتَاعِ؛ لِاشْتِغَالِهَا عَنْهُ بِمَا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ، فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِهِ- (وَلَوْ) كَانَتْ (أَمَةً- زَمَنَ حَقِّ زَوْجٍ). (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهَا) بَعْدَ أَنْ أَجَّرَتْ نَفْسَهَا، ثُمَّ ادَّعَتْ (عَلَى مُكْتَرٍ أَنَّهَا مُتَزَوِّجَةٌ)؛ لِتُسْقِطَ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْإِجَارَةِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، (وَلَا) يُقْبَلُ قَوْلُ مَنْ تَزَوَّجَتْ، ثُمَّ ادَّعَتْ (عَلَى زَوْجٍ أَنَّهَا مُؤَجَّرَةٌ قَبْلَ النِّكَاحِ) فِي حَقِّ الزَّوْجِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ لِأَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَالْأَصْلُ عَدَمُ مَا تَدْعِيهِ؛ لِتَضَمُّنِهِ إسْقَاطَ حَقِّ الزَّوْجِ وَالْمُسْتَأْجِرِ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ. (وَلِزَوْجِ) مُؤَجَّرَةٍ (وَطْءُ) هَا (زَمَنَ إجَارَةٍ إنْ لَمْ يُشْغِلْهَا) عَمَّا اُسْتُؤْجِرَتْ لَهُ؛ لِسَبْقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ. (وَلَا) تَصِحُّ الْإِجَارَةُ (عَلَى دَابَّةٍ مُؤَجَّرَةٍ لِيَرْكَبَهَا) الْمُؤَجِّرُ؛ كَاسْتِئْجَارِ دَارِهِ لَهُ؛ لِأَنَّهُ تَحْصِيلٌ لِلْحَاصِلِ، لَكِنْ لَا يَمْنَعُ؛ ذَلِكَ إعَارَتَهَا لِمُؤَجَّرِهَا فِي اثِّنَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ.

.(فَرْعٌ): [اسْتِئْجَارُ نَاسِخٍ كَاتِبٍ]:

(يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ نَاسِخٍ لِكَتْبِ) كِتَابٍ (مُبَاحٍ)؛ كَفِقْهٍ أَوْ حَدِيثٍ أَوْ نَحْوٍ أَوْ شِعْرٍ مُبَاحٍ، (أَوْ) لِنَسْخِ (سِجِلَّاتٍ)، نَصَّ عَلَيْهِ، (وَشُرِطَ تَقْدِيرٌ) لِنَسْخٍ (بِمُدَّةٍ) كَيَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ أَوْ سَنَةٍ (أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ، فَإِذَا قُدِّرَ بِعَمَلٍ ذَكَرَ عَدَدَ وَرَقٍ وَقَدْرَهُ، وَعَدَدَ سُطُورِ كُلِّ وَرَقَةٍ، وَقَدْرَ حَوَاشٍ، وَدِقَّةَ قَلَمٍ وَغِلَظِهِ، فَإِنْ أَمْكَنَ ضَبْطُهُ بِالصِّفَةِ ضَبَطَهُ، وَإِلَّا) يُمْكِنْ ضَبْطُهُ (فَلَا بُدَّ مِنْ مُشَاهَدَتِهِ)؛ لِاخْتِلَافِ الْأَجْرِ بِاخْتِلَافِ الْخَطِّ. (وَيَجُوزُ تَقْدِيرُ أُجْرَةٍ بِأَجْزَاءِ فَرْعٍ أَوْ أَصْلٍ) مَنْقُولٍ عَنْهُ، (وَإِنْ قَاطَعَهُ عَلَى نَسْخِ الْأَصْلِ بِأَجْرٍ وَاحِدٍ؛ جَازَ)؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ مَعْلُومٌ، (فَإِنْ أَخْطَأَ بِالشَّيْءِ الْيَسِيرِ عُرْفًا)، وَهُوَ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ؛ (عُفِيَ عَنْهُ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ: لَا يَنْقُصُ شَيْءٌ مِنْ أَجْرِ النَّاسِخِ بِعَيْبٍ يَسِيرٍ، وَإِلَّا فَلَا أَجْرَ لَهُ فِيمَا وَضَعَهُ فِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَعَلَيْهِ نَسْخُهُ فِي الْمَكَانِ، وَيَلْزَمُهُ قِيمَةُ مَا أَتْلَفَهُ بِذَلِكَ مِنْ الْكَاغِدِ، (وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا عُرْفًا) بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الْعَادَةِ، (فَهُوَ عَيْبٌ يُرَدُّ بِهِ.
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: وَلَيْسَ لَهُ)- أَيْ الْأَجِيرِ لِلنَّسْخِ- (مُحَادَثَةُ غَيْرِهِ حَالَةَ النَّسْخِ، وَلَا التَّشَاغُلُ بِمَا يُشْغِلُ سِرَّهُ، وَيُوجِبُ غَلَطَهُ، وَلَا لِغَيْرِهِ تَحْدِيثُهُ وَشَغْلُهُ، وَكَذَا الْأَعْمَالُ الَّتِي تَخْتَلُّ بِشَغْلِ السِّرِّ وَالْقَلْبِ؛ كَقِصَارَةٍ وَنِسَاجَةٍ) وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْمُسْتَأْجِرِ.
تَتِمَّةٌ:
وَيَجُوزُ أَنَّ يَسْتَأْجِرَ سِمْسَارًا لِيَشْتَرِيَ لَهُ ثِيَابًا وَنَحْوَهَا؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ مُبَاحَةٌ؛ كَالْبِنَاءِ، فَإِنْ عَيَّنَ الْعَمَلَ دُونَ الزَّمَانِ، فَجَعَلَ لَهُ مِنْ كُلِّ أَلْفِ دِرْهَمٍ شَيْئًا مَعْلُومًا؛ صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ قَالَ: كُلَّمَا اشْتَرَيْت ثَوْبًا؛ فَلَكَ دِرْهَمٌ، وَكَانَتْ الثِّيَابُ مَعْلُومَةً أَوْ مُقَدَّرَةً بِثَمَنٍ، جَازَ، وَإِلَّا فَلَا؛ لِلْجَهَالَةِ. وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَهُ لِيَبِيعَ لَهُ ثِيَابًا بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مُبَاحٌ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ؛ فَجَازَتْ الْإِجَارَةُ عَلَيْهِ كَشِرَاءِ الثِّيَابِ.

.(فَصْلٌ): [أنواعُ الإجارةِ]:

(وَالْإِجَارَةُ ضَرْبَانِ):

.(الضَّرْبُ الْأَوَّلُ): أَنْ تَقَعَ (عَلَى) مَنْفَعَةِ (عَيْنٍ):

وَلَهَا صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ إلَى أَمَدٍ مَعْلُومٍ، وَالْأُخْرَى أَنْ تَكُونَ إلَى عَمَلٍ مَعْلُومٍ، وَسَتَأْتِيَانِ، ثُمَّ الْعَيْنُ تَارَةً مُعَيَّنَةً؛ كاسْتَأْجَرْتُ مِنْك هَذَا الْعَبْدَ يَخْدِمُنِي سَنَةً بِكَذَا؛ أَوْ لِيَخِيطَ لِي هَذَا الثَّوْبَ بِكَذَا، وَتَارَةً تَكُونُ مَوْصُوفَةً فِي الذِّمَّةِ؛ ك اسْتَأْجَرْتُ مِنْك حِمَارًا صِفَتُهُ كَذَا وَكَذَا، لِأَرْكَبَهُ سَنَةً بِكَذَا وَكَذَا، أَوْ إلَى بَلَدِ كَذَا بِكَذَا، وَلِكُلٍّ مِنْ الْقِسْمَيْنِ شُرُوطٌ، وَبَدَأَ بِشُرُوطِ الْمَوْصُوفَةِ؛ لِقِلَّةِ الْكَلَامِ عَلَيْهَا، فَقَالَ:. (وَشَرْطُ اسْتِقْصَاءِ صِفَاتِ سَلَمٍ فِي) عَيْنٍ (مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةٍ)؛ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الصِّفَاتِ، فَإِنْ اُسْتُقْصِيَتْ صِفَاتُ السَّلَمِ؛ كَانَ أَقْطَعَ لِلنِّزَاعِ، وَأَبْعَدَ مِنْ الْغَرَرِ. (وَيَتَّجِهُ أَوْ)؛ أَيْ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ اسْتِقْصَاءُ صِفَاتِ السَّلَمِ فِي عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ غَيْرِ غَائِبَةٍ) عَنْ مَجْلِسِ الْعَقْدِ؛ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُشَاهَدَةٍ لِلْمُسْتَأْجِرِ، فَاشْتَرَطَ لَهَا مَا يَشْتَرِطُ لَمَا فِي الذِّمَّةِ. وَيَتَّجِهُ (أَنَّهُ). أَيْ اشْتِرَاطُ ذَلِكَ- (لَا يُنَافِيه مَا مَرَّ) أَوَّلَ الْبَابِ (مِنْ عَدَمِ) اشْتِرَاطِ (تَعْيِينِ نَوْعٍ) مَأْجُورٍ (وَذُكُورَتِهِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ إجَارَةُ مَنْفَعَةٍ)، وَهَذَا إجَارَةُ عَيْنٍ مُرَادٍ بِهَا الِانْتِفَاعُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَإِنْ جَرَتْ) إجَارَةٌ عَلَى عَيْنٍ مَوْصُوفَةٍ بِذِمَّةٍ (بِلَفْظِ سَلَمٍ)؛ ك أَسْلَمْتُك هَذَا الدِّينَارَ فِي خِدْمَةِ عَبْدٍ صَنْعَتُهُ كَذَا، وَقِبَلَ الْمُؤَجِّرُ؛ (اُعْتُبِرَ قَبْضُ أُجْرَةٍ بِمَجْلِسٍ) جَرَى فِيهِ الْعَقْدُ؛ لِئَلَّا يَصِيرَ بَيْعَ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، (وَ) اُعْتُبِرَ (تَأْجِيلُ نَفْعٍ) إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ، وَإِنْ كَانَ بِلَفْظِ الْإِجَارَةِ؛ جَازَ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ. (وَيَتَّجِهُ) اعْتِبَارُ مَا ذُكِرَ (بِمَا لَهُ وَقْعٌ) فِي الْعَادَةِ؛ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي السَّلَمِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ.

.[ما يُشْتَرَطُ فِي إجَارَةِ عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ]:

ثُمَّ أَخَذَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الْمُعَيَّنَةِ فَقَالَ: (وَشُرِطَ فِي) إجَارَةِ عَيْنٍ (مُعَيَّنَةٍ خَمْسَةُ) شُرُوطٍ:

.أَحَدُهَا: (صِحَّةُ بَيْعٍ):

أَيْ: كَوْنُهَا يَصِحُّ بَيْعُهَا؛ كَالْأَرْضِ وَالدَّارِ وَالْعَبْدِ وَالْبَهِيمَةِ وَالثَّوْبِ وَالْخَيْمَةِ وَالْخَيْلِ وَالْجَمَلِ وَالسَّيْفِ وَالرُّمْحِ وَالْفَرَسِ وَاللِّجَامِ وَالسَّرِيرِ وَالْإِنَاءِ وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ؛ فَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ لِحِرَاسَةٍ وَلَا لِصَيْدٍ وَلَا لِغَيْرِ ذَلِكَ، (سِوَى وَقْفٍ)- أَيْ مَوْقُوفٍ- (وَ) سِوَى (أُمِّ وَلَدٍ وَحُرٍّ وَحُرَّةٍ)؛ فَتَصِحُّ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهَا مَمْلُوكَةٌ، وَمَنَافِعُ الْحُرِّ تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ؛ فَجَازَتْ إجَارَتُهَا كَمَنَافِعِ الْقِنِّ. (وَيَتَّجِهُ) ب (احْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (وَ) سِوَى (جِلْدِ أُضْحِيَّةٍ، وَ) جِلْدِ (عَقِيقَةٍ) فِي الْأُضْحِيَّةِ، أَمَّا الْعَقِيقَةُ؛ فَيَصِحُّ بَيْعُ جِلْدِهَا وَإِجَارَتُهُ قِيَاسًا عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ؛ إذْ تَصِحُّ إجَارَتُهَا، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا، وَيَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهَا، وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الْعُلَمَاءِ عَلَى صِحَّةِ إجَارَةِ الْمَنْفَعَةِ الْمَمْلُوكَةِ لِلْمُؤَجِّرِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ إجَارَةِ جِلْدِ الْأُضْحِيَّةِ وَالْعَقِيقَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَأَجْنَبِيَّةٍ أُجِّرَتْ [لِغَيْرِ مَحْرَمِهَا] فِي نَظَرِ) مُسْتَأْجِرِهَا إلَيْهَا، (وَ) فِي (خَلَوْته) بِهَا؛ (كَغَيْرِهَا) مِنْ الْأَجَانِبِ.
قَالَ الْمَجْدُ: وَإِذَا اسْتَأْجَرَ امْرَأَةً أَجْنَبِيَّةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً لِشُغْلٍ مُبَاحٍ لِعَمَلِهِ؛ جَازَ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَانَ حُكْمُ النَّظَرِ إلَيْهَا وَالْخَلْوَةِ بِهَا عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْإِجَارَةِ.
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: يَجُوزُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ الْأَجْنَبِيُّ الْأَمَةَ وَالْحُرَّةَ لِلْخِدْمَةِ، وَلَكِنْ يَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنْ النَّظَرِ لِلْحُرَّةِ. لَيْسَتْ الْأَمَةُ مِثْلَ الْحُرَّةِ، فَلَا يُبَاحُ لِلْمُسْتَأْجِرِ النَّظَرُ لِشَيْءٍ مِنْ الْحُرَّةِ، بِخِلَافِ الْأَمَةِ، فَيَنْظُرُ مِنْهَا إلَى الْأَعْضَاءِ السِّتَّةِ، أَوْ إلَى مَا عَدَّا عَوْرَةَ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي النِّكَاحِ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ لَهُمَا كَالْأَجْنَبِيِّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَخْلُوَ مَعَ إحْدَاهُمَا فِي بَيْتٍ، وَلَا يَنْظُرَ إلَى الْحُرَّةِ مُتَجَرِّدَةً، وَلَا إلَى شَعْرِهَا الْمُتَّصِلِ؛ لِأَنَّهُ عَوْرَةٌ مِنْهَا، بِخِلَافِ الْأَمَةِ. (وَكُرِهَ اسْتِئْجَارُ أَصْلِهِ) كَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَجَدَّتِهِ- وَإِنْ عَلَوَا- (لِخِدْمَتِهِ)؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إذْلَالِ الْوَالِدَيْنِ بِالْحَبْسِ عَلَى خِدْمَةِ الْوَلَدِ. (وَصَحَّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ مُسْلِمًا) لِعَمَلٍ مَعْلُومٍ فِي الذِّمَّةِ؛ كَخِيَاطَةِ ثَوْبٍ وَقِصَارَتِهِ، أَوْ إلَى أَمَدٍ كَأَنْ يَسْتَقِي لَهُ أَوْ يَنْسَخُ أَوْ يُقَصِّرُ لَهُ ثِيَابًا شَهْرًا بِكَذَا، نَصًّا. و(لَا) يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ذِمِّيٌّ مُسْلِمًا (لِخِدْمَتِهِ)، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، إنْ أَجَّرَ نَفْسَهُ مِنْ الذِّمِّيِّ مِنْ خِدْمَتِهِ؛ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ كَانَ فِي عَمَلِ شَيْءٍ؛ جَازَ، وَكَوْنُهَا تَصِحُّ لِلْعَمَلِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، فَلَا يَتَضَمَّنُ إذْلَالَ الْمُسْلِمِ، وَلَا اسْتِخْدَامَهُ؛ أَشْبَهَ مُبَايَعَتَهُ، وَكَوْنُهَا لَا تَصِحُّ لِلْخِدْمَةِ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَتَضَمَّنُ حَبْسَ الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْكَافِرِ، وَإِذْلَالَهُ لَهُ، وَاسْتِخْدَامَهُ مُدَّةَ الْإِجَارَةِ؛ أَشْبَهَ بَيْعَ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرِ.

.الشَّرْطُ (الثَّانِي مَعْرِفَتُهَا):

أَيْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ لِلْعَاقِدَيْنِ- (بِرُؤْيَةٍ) إنْ كَانَتْ لَا تَنْضَبِطُ بِالصِّفَاتِ؛ كَالدَّارِ وَالْحَمَّامِ (أَوْ صِفَةٍ تَحْصُلُ بِهَا) مَعْرِفَتُهَا؛ (كَمَبِيعٍ)؛ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، (فَإِنْ لَمْ تَحْصُلْ) الْمَعْرِفَةُ (بِهَا)- أَيْ الصِّفَةِ- (أَوْ كَانَتْ) الصِّفَةُ (لَا تَأْتِي فِيهَا)- أَيْ الْمُؤَجَّرَةِ-؛ (كَدَارٍ وَعَقَارٍ) مِنْ بَسَاتِينَ وَنَخِيلٍ وَأَرْضٍ، وَعَطْفُهُ عَلَى الدَّارِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ؛ (اُشْتُرِطَتْ مُشَاهَدَتُهُ وَتَحْدِيدُهُ وَمُشَاهَدَةُ قَدْرِ حَمَّامٍ، وَمَعْرِفَةُ مَائِهِ، وَ) مَعْرِفَةُ (مَصْرِفِهِ)- أَيْ الْمَاءِ- (وَمُشَاهَدَةُ الْإِيوَانِ، وَمَطْرَحُ رَمَادٍ وَزِبْلٍ). وَمَا رُوِيَ أَنَّ الْإِمَامَ كَرِهَ كَرْيَ الْحَمَّامِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُهُ مَنْ تَنْكَشِفُ عَوْرَتُهُ فِيهِ، حَمَلَهُ ابْنُ حَامِدٍ عَلَى التَّنْزِيهِ، وَالْعَقْدُ صَحِيحٌ. حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا حَيْثُ حَدَّدَهُ وَذَكَرَ جَمِيعَ السِّتَّةِ شُهُورٍ الْمُسَمَّاةِ.

.الشَّرْطُ (الثَّالِثُ قُدْرَةُ) مُؤَجِّرٍ (عَلَى تَسْلِيمِهَا):

أَيْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ- (كَمَبِيعٍ)؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ الْمَنَافِعِ أَشْبَهَتْ بَيْعَ الْأَعْيَانِ، (فَلَا تَصِحُّ) الْإِجَارَةُ (فِي) عَبْدٍ (آبِقٍ وَنَحْوِهِ) كَجَمَلٍ شَارِدٍ، وَقِيَاسُ الْبَيْعِ [وَلَوْ] مِنْ قَادِرٍ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ، وَلَا مَغْصُوبٍ مِمَّنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْ غَاصِبِهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ، وَكَذَا الطَّيْرُ فِي الْهَوَاءِ، (وَ) إجَارَةُ (مُشَاعٍ) عَلَى الْمَذْهَبِ (كَمَا مَرَّ) مُفَصَّلًا.

.الشَّرْطُ (الرَّابِعُ): [اشْتِمَالُ الْعَيْنِ عَلَى النَّفْعِ الْمُرَادُ مِنْهَا]:

(اشْتِمَالُهَا)- أَيْ الْعَيْنِ- (عَلَى النَّفْعِ) الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ (الْمُرَادُ مِنْهَا فَلَا تَصِحُّ) إجَارَةٌ (فِي) بَهِيمَةٍ (زَمِنَةٍ لِحَمْلٍ) أَوْ رُكُوبٍ، (وَلَا) أَرْضٍ (سَبِخَةٍ) لِزَرْعٍ، وَالسَّبِخَةُ الَّتِي لَا تُنْبِتُ، (أَوْ)- أَيْ وَلَا إجَارَةُ أَرْضٍ- (لَا مَاءَ لَهَا لِزَرْعٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ. (وَيَتَّجِهُ) وَلَا تَصِحُّ إجَارَةُ (حَمَّامٍ خَرِبٍ أَوْ)- أَيْ وَلَا- (دَارٍ خَرِبَةٍ لِسُكْنَى)؛ لِتَعَذُّرِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ (إلَّا إنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضَهُمَا)- أَيْ الْحَمَّامِ وَالدَّارِ- (لِبِنَاءٍ)؛ فَتَصِحُّ؛ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهَا وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا) تَصِحُّ إجَارَةُ (أَخْرَسَ لِتَعْلِيمِ مَنْطُوقٍ أَوْ)- أَيْ وَلَا إجَارَةُ- (أَعْمَى لِحِفْظِ)؛ أَيْ: لِيَحْفَظَ شَيْئًا يَحْتَاجُ رُؤْيَةً؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ عَلَى الْمَنْفَعَةِ، وَلَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُ هَذِهِ الْمَنْفَعَةِ مِنْ هَذِهِ الْعَيْنِ.

.الشَّرْطُ (الْخَامِسُ كَوْنُ مُؤَجِّرٍ يَمْلِكُ النَّفْعَ أَوْ مَأْذُونًا لَهُ فِيهِ):

بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ؛ كَحَاكِمٍ يُؤَجِّرُ مَالَ نَحْوِ سَفِيهٍ أَوْ غَائِبٍ، أَوْ وَقْفًا لَا نَاظِرَ لَهُ، أَوْ مِنْ قِبَلِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَنَاظِرٍ خَاصٍّ. وَوَكِيلٍ فِي إجَارَةٍ؛ لِأَنَّهَا بَيْعُ مَنَافِعَ، فَاشْتُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ؛ كَبَيْعِ الْأَعْيَانِ؛ (فَتَصِحُّ) الْإِجَارَةُ؛ (مِنْ مُسْتَأْجِرٍ)- لَعَيْنٍ (غَيْرِ حُرٍّ) أَنْ يُؤَجِّرَهَا (لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ)؛ أَيْ: الْمُسْتَأْجِرِ فِي اسْتِيفَاءِ النَّفْعِ، أَوْ هُوَ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ مِلْكُ الْمَنْفَعَةِ، وَالتَّسَلُّطُ عَلَى اسْتِيفَائِهَا بِنَفْسِهِ وَبِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ، وَلَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَيْنَ لِمَنْ هُوَ أَكْثَرُ ضَرَرًا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلَا لِمَنْ يُخَالِفُ ضَرَرَهُ؛ لِمَا مَرَّ، مَا لَمْ يَكُنْ الْمَأْجُورُ حُرًّا، كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا، خِلَافًا لِلتَّنْقِيحِ حَيْثُ قَيَّدَ بِالْكَبِيرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ لِمُسْتَأْجِرِهِ أَنْ يُؤَجِّرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا تَثْبُتُ يَدُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا هُوَ يُسَلِّمُ نَفْسَهُ إنْ كَانَ كَبِيرًا، أَوْ يُسَلِّمُهُ وَلِيُّهُ إنْ كَانَ صَغِيرًا. وَتَصِحُّ إجَارَةِ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ- (وَلَوْ لَمْ يَقْبِضْهَا) الْمُسْتَأْجِرُ-؛ لِأَنَّ قَبْضَ الْعَيْنِ لَا يَنْتَقِلُ بِهِ الضَّمَانُ إلَيْهِ، فَلَمْ يَقِفْ جَوَازُ التَّصَرُّفِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ بَيْعِ الْمَكِيلِ وَنَحْوِهِ قَبْلَ قَبْضِهِ، (حَتَّى لِمُؤَجِّرِهَا)- أَيْ الْعَيْنِ الْمُؤَجَّرَةِ- لِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ جَازَ مَعَ غَيْرِ الْعَاقِدِ جَازَ مَعَهُ؛ كَالْبَيْعِ- (وَلَوْ بِزِيَادَةٍ) عَلَى مَا أَجَّرَهَا بِهِ الْمُؤَجِّرُ، وَتَصِحُّ إجَارَتُهَا (بِنَقْصٍ) عَمَّا اُسْتُؤْجِرَتْ بِهِ؛ لِأَنَّهُ عَقْدٌ يَجُوزُ بِرَأْسِ الْمَالِ، فَجَازَ بِنَقْصٍ وَزِيَادَةٍ، (مَا لَمْ تَكْفِ) إجَارَتُهُ لِمُؤَجِّرِهِ بِزِيَادَةِ (حِيلَةٍ كَعِينَةٍ)؛ بِأَنْ أَجَّرَهَا بِأُجْرَةٍ حَالَّةٍ نَقْدًا، ثُمَّ اسْتَأْجَرَهَا بِأَكْثَرَ مِنْهُ مُؤَجَّلًا؛ (فَلَا تَصِحُّ) حَسْمًا لِمَادَّةِ رِبَا النَّسِيئَةِ، وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ الْأَوَّلِ مُطَالَبَةُ الْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي بِالْأُجْرَةِ، لِأَنَّ غَرِيمَ الْغَرِيمِ لَيْسَ بِغَرِيمٍ، قَالَ فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ: قُلْت: إنْ غَابَ الْمُسْتَأْجِرُ الْأَوَّلُ، أَوْ امْتَنَعَ؛ فَلِلْمُؤَجِّرِ رَفْعُ الْأَمْرِ إلَى الْحَاكِمِ، فَيَأْخُذُ مِنْ الْمُسْتَأْجِرِ الثَّانِي، وَيُوَفِّيهِ أُجْرَتَهُ، أَوْ مِنْ مَالِ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ إنْ كَانَ وَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ، حَفِظَهُ لِلْمُسْتَأْجَرِ، وَإِنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ فَمَتَى وَجَدَ لَهُ مَالًا وَفَّاهُ مِنْهُ؛ كَمَا يَأْتِي فِي الْقَضَاءِ عَلَى الْغَائِبِ، وَإِذَا تَقَبَّلَ الْأَجِيرُ فِي ذِمَّتِهِ عَمَلًا بِأُجْرَةٍ كَخِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا؛ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهُ [بِأَقَلَّ مِنْ أُجْرَتِهِ، وَلَوْ لَمْ يُعَنْ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَقْبَلَهُ بِمِثْلِ] الْأَجْرِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ؛ جَازَ بِدُونِهِ؛ كَالْبَيْعِ وَكَإِجَارَةِ الْعَيْنِ.
(وَ) تَصِحُّ إجَارَةُ عَيْنٍ (مِنْ مُسْتَعِيرٍ بِإِذْنِ مُعِيرٍ) فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِهَا؛ لَجَازَ، فَكَذَا فِي إجَارَتِهَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ، فَجَازَ بِإِذْنِهِ، (وَتَصِيرُ) الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ (أَمَانَةً) بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَضْمُونَةً عَلَى الْمُسْتَعِيرِ؛ لِصَيْرُورَتِهَا مُؤَجَّرَةً، وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ الْمُسْتَعِيرِ مُدَّةً لِلْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ عَقْدٌ لَازِمٌ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي مُدَّةٍ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ إنْ عَيَّنَ لَهُ رَبَّهَا مُدَّةً تَقَيَّدَ بِهَا، وَإِلَّا فَكَوَكِيلٍ مُطْلَقٍ؛ كَمَا يُؤَجِّرُ الْعُرْفُ كَمَا يَأْتِي (وَالْأُجْرَةُ لِرَبِّهَا)- أَيْ الْعَيْنُ الْمُؤَجَّرَةُ- دُونَ الْمُسْتَعِيرِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهَا وَمَالِكٌ نَفْعَهَا، وَلِانْفِسَاخِ الْعَارِيَّةِ بِوُجُودِ الْإِجَارَةِ عَلَيْهَا، لِكَوْنِ الْإِجَارَةِ أَقْوَى؛ لِلُزُومِهَا، وَلَا يَضْمَنُ مُسْتَأْجِرٌ مِنْ مُسْتَعِيرٍ، وَيَأْتِي فِي الْعَارِيَّةِ.
(وَ) تَصِحُّ إجَارَةٌ (فِي وَقْفٍ مِنْ نَاظِرِهِ)، لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْإِيجَارِ؛ كَالْوَلِيِّ يُؤَجِّرُ عَقَارَ مُوَلِّيهِ (أَوْ)؛ أَيْ: وَتَصِحُّ إجَارَةٌ مِنْ (مُسْتَحِقِّهِ)- أَيْ: الْوَقْفِ- لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَهُ، فَلَهُ إجَارَتُهَا كَالْمُسْتَأْجِرِ، (لَكِنْ تَنْفَسِخُ) الْإِجَارَةُ بِمُجَرَّدِ (مَوْتِ مُسْتَحِقٍّ)، وَهُوَ مَنْ يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ؛ لِكَوْنِهِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ الْوَاقِفُ نَاظِرًا، وَهُوَ الْمَذْهَبُ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي خِلَافِهِ، وَأَبُو الْحُسَيْنِ أَيْضًا وَحَكَيَاهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ بْنِ شَاقِلَا، (خِلَافًا لِجَمْعٍ) مِنْهُمْ النَّاظِمُ وَصَاحِبُ تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وشَرْحِ ابْنِ رَزِينٍ وَالْقَاضِي فِي الْمُنْجِزِ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّهَا لَا تَنْفَسِخُ بِمَوْتِ الْمُؤَجِّرِ؛ كَمَا لَوْ عُزِلَ الْوَلِيُّ وَنَاظِرُ الْوَقْفِ، وَكَمِلْكِهِ الطَّلْقَ، وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ: وَإِنْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ انْفَسَخَتْ إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ؛ ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ لَا تَنْفَسِخُ، وَهُوَ أَشْهُرٌ، وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ انْتَهَى.
وَالْمَذْهَبُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَمَلُ الْحُكَّامِ عَلَى مُقَابِلِهِ. (وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ (نَاظِرٍ)، بِشَرْطٍ؛ بِأَنْ وَقَفَهُ عَلَيْهِ، وَشَرَطَ لَهُ النَّظَرَ، أَوْ تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ جَعَلَ النَّظَرَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ، فَلَهُ النَّظَرُ بِالِاسْتِحْقَاقِ وَالشَّرْطِ (مُطْلَقًا)؛ أَيْ: سَوَاءٌ كَانَ بِشَرْطِ وَاقِفٍ، أَوْ أَقَامَهُ حَاكِمٌ، أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ مُسْتَحِقًّا، وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ؛ لِأَنَّ إيجَارَهُ هُنَا بِطَرِيقِ الْوِلَايَةِ، وَمَنْ يَلِي بَعْدَهُ إنَّمَا يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ فِيمَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ الْأَوَّلُ. (وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (بِعَزْلِهِ)- أَيْ: النَّاظِرِ- بِشَرْطِ الْوَاقِفِ.
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: إنْ كَانَ الْمُؤَجِّرُ هُوَ النَّاظِرُ الْعَامُّ- أَيْ: الْحَاكِمُ- عِنْدَ عَدَمِ النَّاظِرِ الْخَاصِّ أَوْ مَنْ شَرَطَهُ لَهُ، وَكَانَ أَجْنَبِيًّا؛ لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ قَوْلًا وَاحِدًا. (وَيَتَّجِهُ وَلَا) تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ (بِتَحَوُّلِ وَقْفٍ) عَلَى جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ (لِجِهَةٍ أُخْرَى بَعْدَ انْقِطَاعِ) الْجِهَةِ الْأُولَى؛ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعَزْلِ، وَبَيْنَ التَّحَوُّلِ إلَى جِهَةٍ آلَ إلَيْهَا الْوَقْفُ؛ لِوُجُودِ الِانْتِقَالِ فِي كُلٍّ. وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَاذَا انْفَسَخَتْ) الْإِجَارَةُ (بِمَوْتِهِ)- أَيْ: النَّاظِرِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ- (رَجَعَ مُسْتَأْجِرٌ) عَجَّلَ الْأُجْرَةَ عَلَى الْقَابِضِ إنْ كَانَ حَيًّا، (وَعَلَى تَرِكَتِهِ) إنْ كَانَ مَيِّتًا؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ بَعْدَهُ حَقٌّ لِغَيْرِهِ فَبِمَوْتِهِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَجَّرَ مِلْكَهُ، وَمِلْكَ غَيْرِهِ، فَصَحَّ فِي مِلْكِهِ، دُونَ مِلْكِ غَيْرِهِ؛ كَمَا لَوْ أَجَّرَ دَارَيْنِ إحْدَاهُمَا لَهُ وَالْأُخْرَى لِغَيْرِهِ، فَلَا يَنْفُذُ عَقْدُهُ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مِلْكٍ وَلَا وِلَايَةٍ، بِخِلَافِ الطَّلْقِ إذَا مَاتَ مُؤَجِّرُهُ، فَإِنَّ الْوَارِثَ يَمْلِكُهُ مِنْ جِهَةِ الْمُوَرِّثِ، فَلَا يَمْلِكُ مِنْهُ إلَّا مَا خَلْفَهُ، وَمَا تَصَرَّفَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْمَنَافِعُ الَّتِي أَجَّرَهَا قَدْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ بِالْإِجَارَةِ، فَلَا تَنْتَقِلُ إلَى الْوَارِثِ، وَالْبَطْنُ الثَّانِي فِي الْوَقْفِ يَمْلِكُونَ مِنْ جِهَةِ الْوَاقِفِ، فَمَا حَدَثَ مِنْهَا بَعْدَ الْبَطْنِ الْأَوَّلِ كَانَ مِلْكًا لَهُمْ، فَقَدْ صَادَفَ تَصَرُّفَ الْمُؤَجِّرِ مِلْكُهُمْ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِمْ؛ فَلَمْ يَصِحَّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي، وَقَالَ إنَّهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ (وَكَذَا)- أَيْ: مِثْلُ النَّاظِرِ بِأَصْلِ الِاسْتِحْقَاقِ- (مُؤَجِّرُ إقْطَاعِهِ) غَيْرَ إقْطَاعِ الِاسْتِغْلَالِ، [أَمَّا هُوَ فَلَا تَصِحُّ إجَارَتُهُ كَمَا يَأْتِي فِي التَّتِمَّةِ]، (ثُمَّ يُقْطَعُهُ)- بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ- (غَيْرُهُ)- أَيْ: غَيْرُ الْمُؤَجِّرِ- يَنْتَزِعُ مَنْ آلَ إلَيْهِ الْوَقْفُ وَالْإِقْطَاعُ ذَلِكَ مِنْ يَدِ الْمُسْتَأْجِرِ، وَيَرْجِعُ مُسْتَأْجِرٌ عَجَّلَ أُجْرَتَهُ عَلَى وَرَثَةِ قَابِضٍ مَاتَ، أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ، وَهَذَا الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ.
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: تَجُوزُ إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ كَالْوَقْفِ، وَلَمْ يَزَلْ يُؤَجَّرُ مِنْ زَمَنِ الصَّحَابَةِ إلَى الْآنِ، وَمَا عَلِمْت أَحَدًا مِنْ عُلَمَاءِ الْإِسْلَامِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ قَالَ: إجَارَةُ الْإِقْطَاعِ لَا تَجُوزُ حَتَّى حَدَثَ فِي زَمَنِنَا، فَابْتُدِعَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ لَوْ أَجَّرَهُ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْإِقْطَاعُ لِآخَرَ، فَذَكَرَ فِي الْقَوَاعِد أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْوَقْفِ إذَا انْتَقَلَ إلَى بَطْنٍ ثَانٍ، وَأَنَّ الصَّحِيحَ تَنْفَسِخُ، لَكِنْ عَمَلُ الْحُكَّامِ مِنْ أَزْمِنَةٍ مُتَطَاوِلَةٍ عَلَى عَدَمِ الِانْفِسَاخِ.
تَتِمَّةٌ:
وَإِنْ كَانَتْ الْإِقْطَاعُ عُشْرًا أَوْ خَرَاجًا؛ بِأَنْ أَقْطَعَهُ الْإِمَامُ إقْطَاعَ اسْتِغْلَالٍ، وَهُوَ عُشْرُ الْخَارِجِ مِنْ الْأَرْضِ، أَوْ خَرَاجُهَا دُونَ الْأَرْضِ؛ لَمْ تَصِحَّ إجَارَتُهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْأَرْضَ، وَلَا مَنْفَعَتَهَا كَتَضْمِينِهِ الْعُشْرَ وَالْخَرَاجَ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الزَّكَاة أَنَّهُ بَاطِلٌ. (وَإِنْ أَجَّرَ سَيِّدٌ رَقِيقَهُ أَوْ) أَجَّرَ (وَلِيٌّ يَتِيمًا) مَحْجُورًا عَلَيْهِ مُدَّةً مَعْلُومَةً، (أَوْ) أَجَّرَ (مَالِهِ)- أَيْ: مَالِ مَحْجُورِهِ كَدَارِهِ أَوْ رَقِيقِهِ أَوْ بَهَائِمِهِ- (ثُمَّ عَتَقَ) الرَّقِيقُ (الْمَأْجُورُ، أَوْ بَلَغَ) الْيَتِيمُ، (أَوْ رَشَدَ) الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ، (أَوْ مَاتَ الْمُؤَجِّرُ، أَوْ عُزِلَ) الْوَلِيُّ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ؛ (لَمْ تَنْفَسِخْ) إجَارَةُ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَازِمٌ يَمْلِكُهُ الْمُتَصَرِّفُ؛ كَمَا لَوْ زَوَّجَ أَمَةً، ثُمَّ بَاعَهَا، أَوْ أَعْتَقَهَا، وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى مَوْلَاهُ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ اُسْتُحِقَّتْ بِالْعَقْدِ قَبْلَ الْعِتْقِ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِبَدَلِهَا، وَلَا تُفْسَخُ إجَارَةُ الْيَتِيمِ أَوْ مَالُهُ بِمَوْتِ الْوَلِيِّ الْمُؤَجِّرِ وَلَا عَزْلِهِ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّصَرُّفِ فِيمَا لَهُ الْوِلَايَةُ عَلَيْهِ؛ فَلَمْ يَبْطُلْ تَصَرُّفُهُ بِزَوَالِ وِلَايَتِهِ؛ كَمَا لَوْ زَوَّجَهُ، أَوْ بَاعَ دَارِهِ، وَهَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمُذَهَّبِ والْخُلَاصَةِ وَغَيْرِهِمْ، (إلَّا إنْ عَلِمَ) الْوَلِيُّ (بُلُوغَهُ)- أَيْ: الْيَتِيمِ- فِي الْمُدَّةِ؛ بِأَنْ كَانَ ابْنَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةٍ، وَأَجَّرَهُ، أَوْ أَجَّرَ دَارِهِ سَنَتَيْنِ؛ فَتَنْفَسِخُ بِبُلُوغِهِ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى صِحَّتِهَا عَلَى جَمِيعِ مَنَافِعِهِ طُولَ عُمُرِهِ، وَإِلَى تَصَرُّفِهِ فِي غَيْرِ زَمَنِ وِلَايَتِهِ عَلَى [الْمَأْجُورِ، (أَوْ) إلَّا إذَا عَلِمَ سَيِّدٌ (عِتْقَهُ)- أَيْ: الرَّقِيقِ-- (بِتَعْلِيقٍ فِي الْمُدَّةِ)- أَيْ: مُدَّةِ-]- الْإِجَارَةِ- بِأَنْ قَالَ: أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ سَنَةٍ، ثُمَّ أَجَّرَهُ سَنَتَيْنِ؛ فَتَنْفَسِخُ بِعِتْقِهِ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (وَإِذَا لَمْ تَنْفَسِخْ الْإِجَارَةُ) بِمَوْتِ أَوْ عَزْلٍ مُؤَجِّرٍ لَا يَعْلَمُ عِتْقَ الرَّقِيقِ حِينَئِذٍ؛ (فَنَفَقَةُ قِنٍّ عِتْقٍ عَلَى سَيِّدٍ، إلَّا إنْ شُرِطَتْ) النَّفَقَةُ (عَلَى مُسْتَأْجِرٍ)؛ فَعَلَيْهِ، وَإِذَا بِيعَتْ الْأَرْضُ الْمُحْتَكَرَةُ، أَوْ وُرِثَتْ؛ فَالْحَكْرُ عَلَى مَنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ.
تَتِمَّةٌ:
لَوْ وُرِثَ الْمَأْجُورُ، أَوْ اُشْتُرِيَ، أَوْ اتَّهَبَ أَوْ وَصَّى بِهِ لِإِنْسَانٍ، أَوْ أُخِذَ صَدَاقًا، أَوْ أَخَذَهُ الزَّوْجُ عِوَضًا عَنْ خُلْعٍ أَوْ صُلْحًا؛ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؛ فَالْإِجَارَةُ بِحَالِهَا. قَطَعَ بِهِ فِي الْقَاعِدَةِ السَّادِسَةِ وَالثَّلَاثِينَ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْمُنَقَّحِ وَصَرَّحَ بِهِ غَيْرُهُ مِنْ الْأَصْحَابِ، قَالُوا: وَتَجُوزُ بَيْعُ الْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ، وَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَهَا الْمُسْتَأْجِرُ. فَرْعٌ: إذَا أَجَّرَ الْوَقْفَ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، فَطَلَبَهُ غَيْرُ مُسْتَأْجِرِهِ بِزِيَادَةٍ؛ فَلَا فَسْخَ وَكَذَا لَوْ أَجَّرَهُ الْمُتَوَلِّي عَلَى مَا هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ.